إن الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية الذي توسطت فيه الصين في 10 مارس 2023 لتطبيع العلاقات بين البلدين يعكس إلى حد كبير مصالح بكين في تحقيق نفوذ عالمي أكبر.
وتعتبر الجمهورية الآسيوية موارد الطاقة الغنية في البلدين الإسلاميين لصالحها (حوالي 40-50% من واردات الصين من الطاقة تأتي من الشرق الأوسط). ووقعت اتفاقية تعاون مدتها 25 عامًا مع إيران، والتي تنص على استثمار كبير في قطاع الطاقة الإيراني. ومع ذلك، تعتبر بكين المملكة العربية السعودية شريكًا رئيسيًا، حيث أن المملكة هي مورد رئيسي للنفط.
ويستند قرار الرياض بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران إلى تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، والمخاوف بشأن البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية وإمكانية تهدئة الصراع في اليمن من خلال تشجيع إنهاء دعم حركة الحوثي. ومن جانبها، تهدف إيران إلى الحد من التوترات الإقليمية، بما في ذلك المواجهة بموجب اتفاقيات إيراهيم وتقليل مخاطر المواجهة العسكرية. ويمكن لهذه الأهداف أن تقلل من الأضرار الناجمة عن العقوبات الدولية ضد طهران. ويسمح الاتفاق لإيران بتركيز جهودها على حل المشاكل على عدة جبهات.
وعلى الرغم من الترويج الواسع بأن الاتفاق بين طهران والرياض من شأنه أن يضعف النفوذ الأميركي في المنطقة، إلا أن الوضع مختلف. على سبيل المثال، تواصل المملكة العربية السعودية الاعتماد على الصناعة العسكرية الأمريكية وتخطط لتوسيع الوجود العسكري والسياسي الأمريكي في البلاد. وتدعو مبادرة رؤية المملكة العربية السعودية 2030 إلى مشاركة الشركات المتعددة الجنسيات، بما في ذلك رأس المال الأمريكي. وتنشط الولايات المتحدة في تسوية الصراع اليمني. ومن غير المرجح أن يؤدي الاتفاق في حد ذاته إلى حل التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية بشكل نهائي أو تغيير دعم طهران لخصوم الرياض بشكل جذري. وتنسق المملكة العربية السعودية بشأن البرنامج النووي موقفها مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ونتيجة للعوامل المذكورة، فإن التأثير طويل المدى للاتفاق على الصراعات الرئيسية بين إيران والمملكة العربية السعودية لا يزال غير واضح.
وتسعى الصين إلى تحقيق التوازن بين تلبية احتياجاتها من الطاقة في المملكة العربية السعودية ومتابعة مصالحها الاستراتيجية طويلة المدى في تعزيز المصالحة مع طهران. ويعتمد هذا إلى حد كبير على الديناميكيات المتغيرة للسياسة الخارجية للصين في التعامل مع الطاقة، وخاصة في سياق تحول الطاقة العالمية وإزالة الكربون. وترد الخطوط العريضة للخطط على هذا المنوال في خطة الصين الخمسية، التي تعطي الأولوية لتنمية قدرات الطاقة المتجددة، مما يشير إلى انخفاض كبير في الدور الذي تلعبه واردات النفط في استهلاك الصين للطاقة في المستقبل. وبينما تعمل بكين تدريجياً على تقليل اعتمادها على الطاقة، فإنها تسعى إلى تحويل تركيزها إلى التجارة العابرة للقارات وروابط البنية التحتية. وفي هذا السياق، يعد دمج إيران في خطط مبادرة الحزام والطريق أمرًا بالغ الأهمية نظرًا للموقع الجغرافي الاستراتيجي لإيران. وقد تكون المكاسب الاقتصادية قصيرة المدى مع المملكة العربية السعودية محفوفة بالمخاطر بالنسبة لمشاريع البنية التحتية الاستراتيجية طويلة المدى للصين مع إيران. وفي المستقبل، من المرجح أن يخلق اعتماد الصين على النفط شرطاً مسبقاً لزيادة النفوذ الاستراتيجي للدول المصدرة للنفط في المنطقة لإجبار بكين على العمل ضد أهدافها الاستراتيجية طويلة المدى، خاصة فيما يتعلق بعلاقتها الخاصة مع طهران.
وقد لا يؤدي الاتفاق إلى تغييرات كبيرة في طموحات إيران النووية، وهي قضية رئيسية بالنسبة المملكةالعربية السعودية وتحالفه الرسمي مع الولايات المتحدة وغير الرسمي مع إسرائيل. ومن المحتمل أن تنشأ مشاكل وانتكاسات دبلوماسية في المستقبل، وذلك نظراً للموازنة الدقيقة التي تقوم بها الصين بين هدفيها المتمثلين في تلبية احتياجات الطاقة على المدى القصير مع المملكة العربية السعودية ومصالحها الاستراتيجية على المدى الطويل مع إيران. إن فعالية واستدامة مشاركة الصين في المنطقة، فضلاً عن قدرتها على الاستجابة بفعالية للديناميكيات المعقدة، من الممكن أن تلعب دوراً حاسماً في تشكيل المشهد المستقبلي والتوازن في الشرق الأوسط.
أصدقاء العالم العربي 2023. فلاديسلاف روبيف
تنويه: جميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـ”أصدقاء العالم العربي”، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي
اترك تعليقاً