تزايد في السنوات الأخيرة النشاط الاستثماري لبعض الدول العربية الرائدة تجاه أفريقيا. إن المستثمرين العرب الرئيسيين والشركاء التجاريين في القارة الأفريقية هم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.
أهداف الاستثمار
الأهداف الاستثمارية الرئيسية للبلدان المذكورة هي القطاعات الموجهة للتصدير في الاقتصادات الأفريقية مثل الطاقة (النفط والغاز)، والتنقيب الجيولوجي والتعدين للمعادن النادرة والزراعة. وفي الوقت نفسه، تتركز أولويات الممالك العربية على تمويل مشاريع الطاقة الخضراء، وخاصة مصادر الطاقة المتجددة. تستثمر البلدان العربية بنشاط في بناء وتوسيع البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية والتجارة لضمان إمدادات موثوقة ومستقرة من المواد الخام والسلع الأفريقية إلى أسواقها المحلية. ويتم أيضًا تنفيذ استثمارات مستهدفة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والرقمنة من أجل تحقيق تكامل أوثق وأسرع وأكثر فعالية.
ما هي الاستراتيجية؟
تشبه استراتيجية الأنظمة الملكية العربية في أفريقيا النموذج الصيني لتعزيز نفوذها في بلدان الجنوب العالمي مع التركيز على القارة الأفريقية. إن القارة السوداء تشكل أولوية ليس فقط بسبب قربها من وسائل النقل واللوجستيات (وهو ما يجعل التكامل ممكناً ومربحاً اقتصادياً)، بل وأيضاً بسبب الاختيار السياسي الواعي للزعماء العرب وهم يسعون إلى عدم الانجرار إلى مواجهة تنافسية مباشرة مع الصين (كما قد يكون الحال إذا قرروا استهداف السوق الآسيوية) في أفريقيا، حيث توجد لوحة اجتماعية سياسية واسعة من البلدان الممثلة، مما يخلق “نوافذ من الفرص”. إن تصرفات ممالك النفط العربية عملية حيث يحاولون فرض مواقفهم ومصالحهم، خاصة بعد ضعف المواقف الأوروبية في أفريقيا.
حجم الاستثمارات
استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقد الماضي أكثر من 100 مليار دولار سنويا في أفريقيا. وهذا يمثل 30% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتحتل الممالك العربية المرتبة الأولى من ناحية الاستثمارات في الاقتصاد الأخضر والتي تبلغ في عام 2023 إلى 53 مليار دولار.
تؤدي سياسة الاستثمار النشطة لدول الخليج العربي إلى زيادة كبيرة في حجم التجارة الثنائية مع إفريقيا. وشهد حجم التجارة نموا بمعدل متوسط قدره 8% في السنوات الأخيرة. وتقع الحصة الرئيسية في هذا التبادل على عاتق المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. ومن حيث حجم التجارة الثنائية مع أفريقيا، تحتل الممالك العربية المرتبة الثانية بعد الشركاء التجاريين الرئيسيين لأفريقيا وهما الصين والاتحاد الأوروبي.
أنواع الاستثمارات
ويشكل الغاز والنفط أساس صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى أفريقيا. من جانبها، تستورد الدول العربية منتجات التعدين، بما في ذلك الذهب والنحاس واليورانيوم والقصدير والليثيوم وغيرها. على سبيل المثال، وقعت أبو ظبي اتفاقية مع المغرب لتكون الشريك المالي الرئيسي لبناء خط أنابيب غاز جديد في المحيط الأطلسي لتوصيل الغاز النيجيري عبر ساحل غرب أفريقيا والمغرب وذلك مع إمكانية الوصول إلى السوق الأوروبية (المشروع يتم تنفيذه كبديل لاستبدال إمدادات الغاز الروسي).
يُلاحظ في السنوات الأخرية تنويع حجم التجارة. وتتزايد حصة مشاريع الاقتصاد الأخضر وبرامج التكنولوجيا والابتكار ومجمع الأغذية الزراعية. ويتم تنظيم هذا التنويع وتحفيزه بشكل رئيسي من خلال الاستثمارات المستهدفة من خلال الصناديق العربية العامة والخاصة، وتمليه الأولويات والمصالح الوطنية. وعلى وجه الخصوص، تعمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كمستثمرين رئيسيين في إنشاء مصادر الطاقة المتجددة.
ويلعب الأمن الغذائي دور محوري في جدول أعمال دول مجلس التعاون الخليجي، وهي مستوردة صافية للغذاء. وهذا يقودهم إلى التفاوض (على غرار الصين) للاستثمار في إنتاج زراعي عالي التخصص وموجه نحو التصدير مدفوع باحتياجات البلدان. وفي هذا الصدد، تم إبرام عقود تأجير الأراضي طويلة الأجل مع عدد من كبار المنتجين الزراعيين (أنغولا ومصر وإثيوبيا وتنزانيا وزيمبابوي وزامبيا). وقد توقف تنفيذ جزء كبير من هذه الصفقات بسبب تزايد الاستياء بين المجتمعات المحلية والمزارع. ومع الإنتاج المتخصص الموجه للتصدير، فإنه يقوض وضع المزارعين ويؤدي إلى انخفاض دخلهم.
بالإضافة إلى ذلك، تشمل أولويات المستثمرين في الشرق الأوسط تعزيز النفوذ من خلال إنشاء وتوسيع الموانئ والنقل بالسكك الحديدية والبنية التحتية اللوجستية. الشركات من دولة الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر نشاطا في هذا الصدد – DP World (دبي) وAD Ports Group (أبو ظبي). وعلى سبيل المثال في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقعت DP World عقدا مع الحكومة التنزانية لاستخدام 60% من سعة ميناء دار السلام على مدى السنوات الثلاثين المقبلة. وبدورها AD Ports Group قاد المشروع الضخم لإنشاء ميناء أبو أمامة والمنطقة الاقتصادية التجارية في السودان.
الخاتمة
تعكس استراتيجية الاستثمار الإفريقية لدول الخليج العربية أهدافها الاقتصادية. ويرتبط توجيه الاستثمارات إلى القارة السمراء بأطماع دول مجلس التعاون الخليجي (بشكل رئيسي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر) في النفوذ الإقليمي. وربما يكون بعض الزعماء الأفارقة أكثر ميلا إلى التفاعل مع الدول العربية، التي لا تنتقد نماذج الحكم في أفريقيا، كما أن متطلبات الشفافية في تنفيذ بعض المشاريع لا تتأثر بالممارسات الأوروبية والأمريكية. ومن المتوقع أن تتعمق الشراكة بين دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا وستزداد الاستثمارات والتجارة والمشاريع المشتركة. وهذا سيسهم في الاستدامة الاقتصادية والنمو.
أصدقاء العالم العربي 2024. بقلم فلاديسلاف روبيف
تنويه: جميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـ“أصدقاء العالم العربي“، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي
اترك تعليقاً