من المحتمل أن تكون الإمارات العربية المتحدة أحد الفائزين الرئيسيين (إلى جانب تركيا والصين) من انهيار العلاقات بين روسيا والغرب الذي بدأ بعد الحرب في أوكرانيا. من ناحية ما يؤشر على ذلك هو النشاط المستمر في العلاقات التجارية. ومن ناحية أخرى تدرك أبو ظبي أن العقوبات المفروضة على موسكو شديدة بما يكفي لمنع تعاون أعمق يتوافق مع الرغبات الحقيقية للكرملين.
وفي عام2022 ازداد اهتمام المواطنين الروس (معظمهم من رجال الأعمال الأثرياء الذين يشغلون مناصب إدارية عليا) في الإمارات بمقدار ثلاثة أضعاف على الأقل. وإن السبب هو نقل المشاريع التجارية أو الأصول. وهذا يؤدي بالطبع إلى اهتمام قوي بسوق العقارات باهظة الثمن في الإمارات.
إن بحث روسيا عن مصادر بديلة للتجارة مع الغرب أدى إلى زيادة حجم التجارة مع الإمارات (بنسبة 68٪ في عام 2022) وما يدل على ذلك هو عدد من المؤشرات.وعلى سبيل المثال يحظى الإنتاج الزراعي من الاتحاد الروسي إلى أبوظبي بأكبر حصة من الصادرات ويلعب بيع المعادن الثمينة دورًا مهمًا والذي يمثل حوالي 40٪ من حجم سلع التصدير.
ومن جانبها تستورد الإمارات من روسيا النفط الذي يعاد تصديره بشكل أساسي والمنتجات النفطية التي تستخدم للاستهلاك المحلي. وتجدر الإشارة إلى أن موسكو مجبرة على البيع بأسعار مخفضة. إن أهم سلع التي تصدرها الإمارات العربية المتحدة هي الإلكترونيات وأجزائها مثل الرقائق الدقيقة. بالإضافة إلى ذلك زودت أبو ظبي موسكو بنحو160 طائرة بدون طيار للأغراض المدنية. فإن الواردات إلى روسيا من حيث القيمة المطلقة ليست مثيرة للإعجاب وهي فقط 500 مليون دولار أمريكي.
إن الالتفاف على العقوبات عبر الإمارات العربية المتحدة ليس سلسا إطلاقا. ففي عام2022 بدأت البنوك في النظام الملكي في رفض فتح حسابات جماعية على المواطنين الروس. إن الشروط والمتطلبات لرجال الأعمال الروس الذين يريدون مثل هذه الخدمة أعلى بكثير من الشروط والمتطلبات للأجانب الآخرين. ونتيجة لذلك يعاني القطاع المصرفي الروسي أيضًا. وعلى سبيل المثال في نهاية عام 2022 وبسبب العقوبات أغلق بنك سبيربنك فرعه المحلي Sberinvest Middle East Limited. وعلى الرغم من أن MTS Bank افتتح فرعه في الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر2022 فقد أدرجته الولايات المتحدة في قائمة العقوبات في فبراير 2023 مما أجبر بنك أبوظبي المركزي على إلغاء ترخيص البنك الروسي.
لم تنضم الإمارات رسميا إلى العقوبات المفروضة على روسيا. ومع ذلك فإن الكثير من القطاع المصرفي والخدمات الاستشارية تخضع لسيطرة المنظمين الأمريكيين. هذا هو السبب في أن معظم المؤسسات المالية المحلية تتعامل مع عملائها الروس بحذر.
هناك عامل آخر يؤثر على موقف أبوظبي المعتدل تجاه موسكو وهو إدراج الإمارات في مارس2022 على ما يسمى القائمة الرمادية للمجموعة الدولية FATF حيث اتُهمت الدولة باستخدام قطاعها المصرفي لغسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد أجبر ذلك السلطات على زيادة تشديد الإجراءات المتعلقة بالعمليات المالية بما في ذلك مع المواطنين الروس.
إن ضغط واشنطن على الإمارات فيما يتعلق بـ “المخططات المشبوهة” المنفذة ليس جديدا. إنه مرتبط بإيران التي تستخدم إمارة دبي منذ أكثر من عشرين عامًا كمركز مالي ومكان للاستثمارات الكبرى. وأجبرت السياسة الأمريكية تجاه الجمهورية الإسلامية بعد عام 2010 أبو ظبي على إعادة النظر في علاقاتها الوثيقة مع طهران. على الرغم من الإجراءات التقييدية لا تنضم الإمارات رسميًا إلى العقوبات المفروضة على إيران لكنها تواصل الحفاظ على التجارة التي يبلغ حجم مبيعاتها لعام 2022 حوالي 14 مليار دولار أمريكي (للمقارنة كان في عام 2010 24 مليار دولار أمريكي).
يمكن الافتراض أن اعتماد الإمارات على الولايات المتحدة سيستمر في المستقبل. من المحتمل أن تخشى واشنطن وعواصم غربية أخرى ألا تصبح الإمارات مصدرًا لواردات موازية إلى الاتحاد الروسي من البضائع المحظورة. لن يؤدي الضغط لفرض عقوبات على الكرملين إلى تسهيل الظروف على المواطنين الروس لإنشاء أو نقل الشركات إلى الإمارات العربية المتحدة. وما تشهده المنطقة من التبعيات والديناميكيات يكاد يكون من المستحيل على أبو ظبي أن تتنازل عن طريق التحايل على القواعد التي يفرضها شركاؤها الغربيون.
أصدقاء العالم العربي 2023. بقلم فلاديسلاف روبيف
تنويه: جميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـ“أصدقاء العالم العربي“، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي
اترك تعليقاً