بقلم: محمد ناجي الهميس
“لا شيء أسوأ من خيانة القلم ، فالرصاص الغادر قد يقتُل أفراداً بينما القلم الخائن قد يقتُل أُممًا”.
منذ أن اكتشف الإنسان الكتابة، أصبح القلم سلاحا لا يقل خطورة عن السيف، بل يفوقه أثرًا. فالكلمة المدوّنة تستطيع أن تحيي القلوب، أو أن تغرس فيها الشك والخوف. لكنها حين تكون خائنة، تتحول إلى أداة هدم قادرة على تدمير الحضارات وتشويه الحقائق وإشعال الفتن.
عندما يصبح القلم خائنًا
خيانة القلم ليست مجرد كتابة خاطئة أو رأي غير صائب، بل هي استخدام متعمد للحروف في تضليل العقول وتزييف الوقائع. يحدث هذا عندما يسخر الكاتب قلمه لخدمة المصالح الشخصية أو التوجهات الفاسدة، فيكتب ما يخدم طموحاته أو طموحات من يدفع له، ولو كان ذلك على حساب الحقيقة والعدالة.
في عالمنا المعاصر، نشهد خيانة القلم في صور متعددة: في الصحافة التي تروج للكاذيب، في الكتب التي تزيّف التاريخ، في المقالات التي تغذي التعصب والفرقة بين الشعوب، وحتى في وسائل التواصل الجتماعي التي أصبحت ساحة للتلعب بالعقول عبر العناوين الجذابة والمحتوى الزائف.
آثار خيانة القلم
.1 تشويه الحقيقة: حين يكتب الكاتب بعيدًا عن الأمانة، فإنه يطعن في جوهر الواقع، ويترك الناس في ظلم الجهل والتضليل.
.2 إثارة الفتن: يمكن أن تكون الكلمة أشد خطرًا من السلاح، فهي قادرة على تفتيت المجتمعات، وإشعال الحروب، وزرع الكراهية بين الشعوب.
.3 اغتيال القيم والمبادئ: القلم الخائن يطمس الحقائق، ويبدل بين الظالم والمظلوم، ليجعل الحق باطﻼ والباطل حقًا.
.4 تدمير الأجيال: حين تتوارث الأجيال الأكاذيب والمغالطات، تصبح ضحية للتاريخ المشوه، وتبني مستقبلها على أساس من الوهم والزيف.
كيف نحمي القلم من الخيانة؟
● تحري الصدق في الكتابة: لا ينبغي للكاتب أن يكتب إلا ما يعكس الحقيقة، حتى لو كان ذلك لا يتماشى مع أهوائه أو مصالحه.
● تحمل المسؤولية: الكاتب مسؤول عن تأثير كلماته، وعليه أن يدرك أن القلم أمانة، وأنه إما أن يكون شاهدًا للحق أو شريكًا في الجريمة.
● التثقيف المستمر: على الكاتب أن يسعى وراء المعرفة الصحيحة، ويعتمد على مصادر موثوقة حتى لا يقع في فخ نقل الأكاذيب والمعلومات المغلوطة.
● عدم الخضوع للإغراءات: كثيرون باعوا أقلامهم لقاء مال أو نفوذ، لكن الكاتب الصادق هو من يصمد أمام كل إغراء، ويظل قلمه حرًا لُيشترى.
ختامًا
القلم ليس مجرد أداة للكتابة، بل هو أمانة ومسؤولية. فكما أن هناك أقلاما خطت التاريخ بحروف من نور، هناك أقلام سودت صفحات الأمم وأغرقتها في مستنقعات الضياع. فلنكن من الذين يكتبون للحق، لا من الذين يخونونه. لأن خيانة القلم ليست مجرد جريمة عابرة، بل هي خيانة للأمة، للإنسانية، وللحقيقة نفسها.
اترك تعليقاً