معاناة في الشرق الأوسط منذ أكثر من عام

تتعدد ردود الفعل والمنشورات بمناسبة “ذكرى” الصراع المسلح بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية. تملأ المؤسسات والمنظمات والمنصات الإعلامية الفضاء الافتراضي بتحليلات متفاوتة الجودة والمحتوى. و في هذا السياق تسير المعلومات الصحيحة والمعلومات الزائفة جنبا إلى جنب.

وفي بلغاريا تم الاحتفال بذكرى الهجوم الذي نفذه الجناح العسكري لحركة حماس الإسلامية الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 على أراضي إسرائيل، في الكنيس اليهودي المركزي في صوفيا. وأرسل المسؤولون رسائل لتهدئة التوترات.

وأشارت الأمم المتحدة إلى أن المأساة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في العام الماضي كانت “قاسية بلا هوادة وفي المناسبة نفسها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وقالت إن “السبيل الوحيد القابل للتطبيق للمضي قدمالإنهاء المعاناة هو إنشاء دولتين – إسرائيل وفلسطين. وأشارت في البيان نفسه إلى أن “قلوبنا مع الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم”. ومن جانبه، قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للأمن والسياسة الخارجية جوزيب بوريل أمام البرلمان الأوروبي إن “مهمة الاتحاد الأوروبي هي إعطاء الأمل للسلام في الشرق الأوسط“. وسبقت تصريحات كبار المسؤولين الأوروبيين خلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول موقف موحد بشأن الحرب. وقد أصبح هذا ملحوظاً بشكل خاص بعد بدء الاجتياح البري الإسرائيلي في جنوب لبنان.

في الواقع، لم يبدأ تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما نفذ الجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام إلى جانب فصائل فلسطينية أخرى، هجمات مسلحة منسقة (عملية طوفان الأقصى) من قطاع غزة مقابل المستوطنات في جنوب ووسط إسرائيل.

وهذا الهجوم المفاجئ الذي تم تنفيذه على الأراضي الإسرائيلية جدد تصعيد التوتر في منطقة الشرق الأوسط. واتسع الصراع تدريجياً. وبالإضافة إلى الجيش الإسرائيلي وحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى شارك حزب الله وحركة الحوثي ومجموعات أخرى من ما يسمى بمحور المقاومة، المدعوم من إيران. أثر النطاق الجغرافي للحرب في الشرق الأوسط بشكل مباشر على إسرائيل وفلسطين (قطاع غزة والضفة الغربية) ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران.

الخلفية التاريخية وحقائق الصراع في هذه الحالة لا أهمية لها عندما يتزايد عدد الضحايا في الحرب، وخاصة بين السكان المدنيين كل يوم. في واحدة من أعنف حروب القرن الحادي والعشرين، تجاوز عدد القتلى في غزة 40 ألفًا (2% من إجمالي السكان). وعلى سبيل المقارنة فقد أودى الصراع في سوريا بحياة 400 ألف شخص (2% من السكان) على مدى ثلاثة عشر عاماً (2011-2024)؛ وأسفرت الحرب في يوغوسلافيا (1991-2001) عن مقتل 100 ألف شخص (0.5% من السكان). وتتفاقم المأساة في قطاع غزة بسبب حقيقة أن القتال يدور في منطقة محدودة للغاية (360 كيلومترًا مربعًا)، مما يحرم المدنيين فعليًا من فرصة العثور على مأوى.

من المستحيل أن تتوقف الإحصائيات السوداء في الحرب. وتؤيد هذا الادعاء العملية العسكرية البرية “سهام الشمال” التي أطلقها الجيش الإسرائيلي في الأول من تشرين الأول/أكتوبر في جنوب لبنان. وهو استمرار لعدة عمليات على الأراضي اللبنانية موجهة ضد حزب الله ولحد الآن أهمها اغتيال فؤاد شكر والتفجير المنسق لوسائل الاتصال ومقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله . ويمكن إضافة اغتيال إسماعيل هنية في طهران إلى قائمة العمليات الإسرائيلية (وإن كانت خارج لبنان) التي ساهمت في تصعيد الصراع.

أليست سلسلة العمليات “الناجحة” التكتيكية التي نفذتها إسرائيل فشلاً استراتيجياً في تحقيق السلام الدائم؟ ويمكن القول إن تصرفات تل أبيب تشير إلى أن الهدف هو فرض وضع إقليمي راهن جديد وملائم من خلال قطع الجبهات التي يسيطر عليها النظام الإيراني.

إن العمليات العسكرية في الشرق الأوسط بدرجة أقل أو أكبر تؤثر أيضًا على بلغاريا حيث أعلن (04.10.2024) المجلس الاستشاري للأمن القومي موقفه أن الصراع في الشرق الأوسط لا يخلق تهديدات مباشرة للبلاد بل يزيد من خطر ضغوط الهجرة غير الشرعية. تم دعم الأطروحة أيضًا من قبل تصريح لوزير الدفاع بالوكالة. وعلى خلفية الصراع المشتعل، تمكنت الجهات الحكومية من إجلاء 169 مواطنًا بلغاريًا من لبنان بسرعة وبشكل كاف خلال 48 ساعة. إن التحديات التي تواجه السلطات البلغارية الناجمة عن الحرب لن تستنفد. ولا يزال مصير البحارة البلغار الأسرى في اليمن غير واضح. ويبقى أن نرى مدى انعكاس الأثر البلغاري المتعلق بتفجير أجهزة البيجر في لبنان على صورة بلدنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

في الواقع، إلى أي مدى يمكن أن يصل الصراع في الشرق الأوسط؟ ومن المرجح أن يعتمد هذا إلى حد كبير على ما إذا كان بإمكان واشنطن وطهران الدخول في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة لتقييد حليفتيهما، إسرائيل وحزب الله. ويبقى السؤال حول مستقبل قطاع غزة ومصير حركة حماس التي بدأت تتمتع بدعم أقل بين السكان الفلسطينيين.

الأمر المؤكد بشأن الحرب هو أننا شهدنا لمدة عام كامل سحق حقوق الإنسان (على حساب السكان المدنيين في الدول العربية في الأغلب). وتبدت ملامح المعايير المزدوجة في السياسة العالمية فيما يتعلق بتحديد الأعمال التي تعتبر إرهابية وأيها ليست بمثلها. لقد حولت هذه الحرب التركيز بعيداً عن مشكلة الاحتلال. وكأن لم يعد هناك احتلال ومحتل. والحقائق تقول غير ذلك…

أصدقاء العالم العربي 2024. بقلم فلاديسلاف روبيف

تنويهجميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـأصدقاء العالم العربي، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Do not copy!