حول استراتيجية الإمارات الاستثمارية في أوروبا

تعتبر الزيادة المستهدفة في استثمارات الإمارات العربية المتحدة في الخارج جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية أبو ظبي الاجتماعية والاقتصادية. وفقاً لاستراتيجية الطاقة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة حتى عام 2030 يجب أن يكون الهيكل الاقتصادي للدولة متوازناً إلى أقصى حد فيما يتعلق بالقطاع غير النفطي. والهدف هو ألا يكون الاعتماد على النفط والغاز هو المحرك الرئيسي للاقتصاد.

يتمثل جزء كبير من استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز التعددية القطبية في مجال السياسة والاقتصاد. والطموح هو الاستخدام الأمثل لعائدات النفط والغاز التي يتم استثمارها بشكل أساسي في الخارج في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والصناعات الاستراتيجية.

استثمار الإمارات في أوروبا

ووفقا لاستراتيجيتها من الطبيعي أن تزيد دولة الإمارات العربية المتحدة اهتمامها بالسوق الأوروبية. تعمل الإمارة بنشاط على الاستحواذ على الأصول والاستثمار في أهداف طويلة ومتوسطة المدى في القارة القديمة. وتتركز قطاعات الاستثمار الرأسمالي الإماراتي في أوروبا على العقارات والتمويل والمصارف والتكنولوجيا والابتكار والسياحة والبنية التحتية.

العقارات

وينشط المستثمرون العرب (أو صناديق الثروة السيادية بشكل أدق) في القطاع العقاري في الأسواق الواعدة في العواصم الأوروبية الرائدة. وعلى سبيل المثال، في نهاية عام 2023 استثمر صندوق الاستثمار الوطني (مبادلة) من أبو ظبي إلى جانب شركة تطوير إماراتية كبيرة أخرى (الدار) وشركة الاستثمار الأمريكية (آريس) حوالي مليار دولار أمريكي في منصة إقراض عقارية خاصة أوروبية، بالاعتماد على نمو سنوي لرأس المال قدره 2 مليار دولار أمريكي.

وفي فبراير 2024 أعلنت شركة الدار عن مشروع جديد آخر في أوروبا، والذي ستستثمر فيه الشركة مبلغ إضافي قدره 1,11 مليون دولار. هذا بالإضافة إلى الاستحواذ London Square مقابل 291 مليون دولار.

التمويل

أما بالنسبة للقطاع المالي، ففي عام 2021 حصلت أبو ظبي على العضوية في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) واعتبارًا من فبراير 2023، بلغت حصة الاستثمارات المشتركة 3.32 مليار دولار (شاركت الإمارات العربية المتحدة بمبلغ 1.74 مليار دولار (53%) والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية – بـ1,59 مليار دولار). إن غالبية الاستثمارات (أي الصناعة والتجارة والأعمال التجارية الزراعية والبنية التحتية المستدامة والمؤسسات المالية) لأبو ظبي من خلال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية موجهة إلى تركيا ومصر وتركمانستان وأذربيجان. ويمكن القول إن دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، تمكنت من خلال ضخ استثمارات كبيرة من خلق وسيلة للتأثير على سياسة الاستثمار وأجندة المؤسسة المصرفية الأوروبية.

ومن الجدير بالذكر أن عضوية الإمارات في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية جاءت رغم معارضة سابقة من عدد من المنظمات غير الحكومية الأوروبية، التي روجت لقضايا حقوق الإنسان كحجة لمنع الإمارات من أن تصبح مساهماً في المؤسسة المالية الأوروبية. وفي الوقت نفسه، يواصل الاتحاد الأوروبي نفسه مبادراته بما يتماشى مع الحوار المشترك مع أبو ظبي حول حقوق الإنسان.

التكنولوجيا والابتكار والسياحة والبنية التحتية

أما بالنسبة للتكنولوجيا والابتكار فتبدي أبو ظبي اهتماما متزايدا بالشركات الأوروبية الناشئة في مجال التكنولوجيا، وخاصة تلك المتخصصة في التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي. ومن الأمثلة على الشراكة في هذا القطاع مبادرة أكتوبر 2023 المشتركة بين البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وصندوق محمد بن راشد للابتكار (MBRIF). وتشكل السياسة النشطة لشراء براءات الاختراع والتراخيص للتقنيات المتقدمة جزءا هاما من استراتيجية الصناديق السيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتعمل أبو ظبي بنشاط على جذب الموارد الفكرية والبشرية القيمة من أوروبا من خلال إطلاق برامج للشباب الموهوبين وذلك لتوليد الأموال.

وفي مجال السياحة، تستثمر دولة الإمارات العربية المتحدة في أعلى شريحة من السياحة الأوروبية، بما في ذلك الفنادق والبنية التحتية السياحية الأخرى.

ويقوم مستثمرو أبو ظبي في مجال البنية التحتية بتوجيه رؤوس أموالهم إلى تطوير نظام النقل الأوروبي والإسكان والخدمات المجتمعية والطاقة المتجددة.

الاستثمار في الطاقة النووية

ومنذ بداية عام 2024، تبدي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً أكثر نشاطاً باختراق أسواق أكثر استراتيجية للدول الأوروبية، بما في ذلك الطاقة النووية. وفي نهاية مارس 2024 أصبح معروفاً أن مؤسسة الإمارات للطاقة النووية أبدت اهتماماً بإجراء مفاوضات للاستثمار في الطاقة النووية في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا (وقعت أبو ظبي ولندن مذكرة تعاون في مجال الطاقة النووية السلمية). وهذه الخطوة مرتبطة بالتقليص المنطقي للتعاون بين بروكسل وروسيا سواء في مجال الغاز أو في المجال النووي. ويبحث الساسة الأوروبيون عن سبل لتنويع إمدادات الطاقة جغرافيا وحسب القطاع. وعلى هذه الخلفية فإن توسيع إمكانات الطاقة النووية من الممكن أن يصبح عامل استقرار مهم للاقتصاد الأوروبي. ونظراً لحساسية الموضوع، لم يتم الإعلان عن المفاوضات مع أبو ظبي بعد، لكنها على الأرجح تجري خلف أبواب مغلقة.

اتفاق الاتحاد الأوروبي والإمارات العربية المتحدة؟

تتزايد التكهنات بأن المملكة النفطية تسعى إلى توقيع اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي، منفصلة عن دول مجلس التعاون الخليجي. وفي هذه المرحلة هذه تقارير غير مؤكدة. إذا أثبتت صحتها، فإن مثل هذا الاتفاق النهائي قد يستغرق سنوات حيث ستطلب بروكسل من أبو ظبي اعتماد أحكام قانونية في الإمارة تمس حقوق الإنسان وعلاقات العمل.

ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، تعرب قيادة الإمارات العربية المتحدة عن خيبة أملها إزاء استمرار المفاوضات بشأن اتفاقية تجارية بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي. بدأت هذه المحادثات تاريخياً في عام 1990، لكنها توقفت في عام 2008 وحتى الآن، يتمثل الموقف الرسمي لبروكسل بشأن هذه المسألة في تعزيز المفاوضات مع الكتلة العربية، وليس فقط مع الإمارات العربية المتحدة. ولأبو ظبي موقف مماثل ومع ذلك لا يستبعد خيار التوقيع على اتفاقية تجارية بشكل مستقل.

فمن ناحية، إذا أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقاً مع دول مجلس التعاون الخليجي، فإن ذلك من شأنه أن يمنح الشركات من الكتلة الأوروبية وصولاً أفضل إلى ما يعتبر اليوم سادس أكبر سوق تصدير للاتحاد الأوروبي. ومن ناحية أخرى، فإن التوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً يمكن أن يزيد من فتح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أمام الاستثمار من الصناديق السيادية الخليجية. وفي الوقت نفسه، تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة (وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي) على تعزيز الاتجاه نحو توقيع اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع دول منفردة.

بلغاريا والإمارات العربية المتحدة

وفي السنوات الأخيرة أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من شركاء بلغاريا الواعدين في منطقة الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي الدولة الوحيدة من بين دول مجلس التعاون الخليجي التي تم رفع العلاقات معها إلى المستوى الاستراتيجي. وبهذا السبب، يجري تعميق الاتصالات الثنائية في كافة المجالات ذات الاهتمام المشترك. ونظراً للخصائص المناخية والجغرافية لدولة الإمارات العربية المتحدة يمكن أن تكون الزراعة قطاعا محوريا بين البلدين، حيث بإمكان بلغاريا أن تساهم بخبراتها.

إن اتفاقية تجارية مستقلة محتملة بين أبو ظبي وبروكسل لن تؤثر سلبًا على العلاقات الثنائية البلغارية الإماراتية. وقد يؤدي توقيع اتفاقية من هذا النوع إلى تعزيز العلاقات. ويظل السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيستفيد من تفتيت علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي تشكل شريكاً استراتيجياً لأوروبا في التغلب على أزمة الطاقة. وتتطلب دراسة الحالة المستقبلية هذه تقييماً للمخاطر السياسية والاقتصادية.

أصدقاء العالم العربي 2024. بقلم فلاديسلاف روبيف

تنويهجميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـأصدقاء العالم العربي، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Do not copy!