العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر

إن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر مبنية على أولويات الشراكة المشتركة. والوثائق الرئيسية التي تسترشد العلاقات بين البلدين هي استراتيجية مصر للتنمية المستدامة – رؤية 2030 وبرنامج الاتحاد الأوروبي المتوسطي الجديد والخطة الاقتصادية والاستثمارية للجوار الجنوبي والصفقة الخضراء الأوروبية واستنتاجات المجلس بشأن الشراكة المتجددة مع الجوار الجنوبي . والهيئتان الرئيسيتان للتنسيق بين بروكسل والقاهرة هما لجنة الشراكة ومجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر. انعقد الاجتماع المشترك الأخير لمجلس الشراكة في 23 يناير 2024 حيث تم استعراض أولويات الشراكة المشتركة التي تم اعتمادها في يونيو 2022 وتشمل الفترة 2021-2027، وتتمثل الأولويات الشاملة في: (1) الاقتصاد الحديث المستدام والتنمية الاجتماعية المستدامة و(2) الشركاء في مجال السياسة الخارجية و(3) زيادة الاستقرار.

لمحة تاريخية قصيرة

دخلت اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر حيز التنفيذ في عام 2004 وذلك في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك (1981-2011). وتتمتع الجمهورية العربية بشراكات أساسية مع عدد من الدول الأوروبية، من بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. وبعد الإطاحة بنظام مبارك في عام 2011، كان هناك شعور بأن مصر تتجه نحو انتقال مستقر وديمقراطي. إن أحداث عام 2013، جنباً إلى جنب مع تزايد عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبداية أزمة اللاجئين، غيرت النظرة الأوروبية إلى ما يحدث.

وبسبب عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لتنفيذ سياسة حقيقية (الهجرة غير الشرعية والإرهاب) تجاه مصر، والتي يتم تنفيذها بالتوازي مع سياسة تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية.

الهجرة

بسبب أزمة اللاجئين في جنوب البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2015 (في الفترة 2013-2015 كانت هناك أيضًا خلافات في أوروبا بشأن تغيير النظام في القاهرة)، تتخذ أوروبا خطوات أكثر جدية للتقارب مع مصر.

مصر هي واحدة من خمس دول في شمال إفريقيا أصبحت جزءًا من صندوق ائتمان الطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي (ETF)، الذي تم إطلاقه في نوفمبر 2015، والذي يستثمر الاتحاد الأوروبي من خلاله حوالي 750 مليون يورو لتحسين إدارة الهجرة“. وفي عام 2022، تم تقديم الخدمات والمعدات لخفر السواحل المصري في إطار برنامج إدارة الحدود. وتهدف المساعدات المالية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لدول شمال أفريقيا إلى منع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا. ومن الناحية العملية، يترك الاتحاد الأوروبي إدارة المشكلة في أيدي بلدان شمال أفريقيا (باستثناء الجزائر). ومن المرجح أن يضع هذا المهاجرين الأفارقة في أوضاع محفوفة بالمخاطر بشكل متزايد في مصر، حيث يعاني الكثير منهم من العنصرية والتمييز وسوء المعاملة.

وفي مارس 2024، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقًا لمكافحة الهجرة مع القاهرة بقيمة 7.4 مليار يورو . على الرغم من أن الصفقة تعرضت لانتقادات لأن إدارة الهجرة وحدها ليست أداة فعالة على المدى الطويل ما لم تتم معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة الجذور في بلد المنشأ، فمن الضروري أن تتعامل القارة القديمة مع تدفق المهاجرين غير الشرعيين بالجنسية المصرية. ويأتي الدعم المالي وسط تزايد أعداد المواطنين المصريين المتقدمين بطلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي. سبب الهجرة غير الشرعية للمصريين الذين يستخدمون ليبيا كمعبر ويتحركون على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط هو تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر.

الطاقة

الطاقة هي البعد الرئيسي الثاني للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر. وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا، فإن الجهود التي تبذلها أوروبا لتنويع مورديها من الوقود تعني أن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط يشكل أهمية متزايدة لأمن الطاقة الأوروبي. وفي هذا الصدد، وقع الاتحاد الأوروبي في يونيو 2022 مذكرة تفاهم بشأن صادرات الغاز من مصر وإسرائيل. ونتيجة للصفقة التي مدتها خمس سنوات، سيتم تصدير المزيد من الغاز الإسرائيلي من الحقول البحرية إلى مصر ونقله بالسفن إلى الاتحاد الأوروبي. ومن ناحية أخرى، فمن المرجح أن يعكس المدى القصير للمذكرة خطط الاتحاد الأوروبي لخفض استهلاك الغاز في العقود المقبلة.

وتعني زيادة صادرات الغاز زيادة الاستثمار وتحديث وتوسيع البنية التحتية لتصدير الغاز في مصر. من المحتمل أن يعني اكتشاف احتياطيات غاز إضافية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر في أواخر عام 2022 أن مصر يمكن أن تلعب دورًا متزايد الأهمية كمركز إقليمي للغاز لأوروبا. ومع ذلك، ونظراً للتحديات الديموغرافية التي تواجهها مصر واحتياجاتها من الطاقة، يبقى أن نرى ما إذا كانت قادرة على لعب هذا الدور بشكل مستدام على المدى الطويل.

تبذل مصر جهودا على تعميق التعاون في مجال الطاقة مع أوروبا على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف. وعلى المستوى المتعدد الأطراف كانت مصر في عام 2019 على رأس إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) والذي يضم قبرص واليونان وإيطاليا وإسرائيل والأردن وفلسطين، لكنه لا يضم تركيا. وبذلك تمكنت مصر من استخدام التوترات الجيوسياسية لتطوير طموحاتها كمركز إقليمي للغاز، مستفيدة من التوترات بين تركيا من جهة وإسرائيل وجمهورية قبرص واليونان من جهة أخرى لتشكيل منتدى غاز شرق المتوسط وعزل تركيا عن مجموعة شرق البحر المتوسط.

مصادر الطاقة المتجددة

ولا تقتصر طموحات القاهرة في مجال الطاقة على استخراج الغاز، وهو ما قد لا يعود بفوائد طويلة المدى، بل يشمل أيضًا استخدام مصادر الطاقة المتجددة. ومن الأمثلة على ذلك استضافة مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف المعنية بتغير المناخ (COP27) في شرم الشيخ عام 2022. ومن خلال المنتدى، حققت الحكومة المصرية عدة أهداف: تم تقديم البلاد كوجهة للأحداث العالمية الكبرى؛ وكان جزء من الجهود يهدف إلى إيجاد مساعدات ودعم خارجيين لمكافحة آثار تغير المناخ والتي يمكن أن تؤثر سلباً على استقرار البلاد على المدى الطويل إذا لم يتم احتواؤها؛ الترويج للغاز الطبيعي كبديل نظيف لأنواع الوقود الأحفوري الأخرى ووضع القاهرة كمصدر استراتيجي للغاز الطبيعي إلى أوروبا. خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27)، وقع الاتحاد الأوروبي ومصر مذكرة تفاهم بشأن شراكة استراتيجية بشأن الهيدروجين المتجدد. وسبق الوثيقة بيان مشترك في يونيو 2022 لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يبحثان التعاون في مجالات المناخ والطاقة والتحول البيئي من الممكن أن يصبح تغير المناخ جانبًا مهمًا من العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي.

التجارة والاقتصاد

ووفقا لأحدث البيانات الرسمية لعام 2020، يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمصر، التي يواصل عدد سكانها النمو (حوالي 110 مليون نسمة). تعمل العديد من الشركات الأوروبية في البلاد، حيث أن تكاليف العمالة المنخفضة وعدد السكان الكبير يجعل السوق المحلية جذابة للمستثمرين الأوروبيين. وفي ضوء العوامل المذكورة أعلاه فإن خروج الشركات الأوروبية الكبرى من السوق المصرية قد يضرها ماليا.

وبعد وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في عام 2013 بدأت مصر في زيادة حصة الأسلحة المشتراة من الدول الأوروبية تدريجيًا. وربما يكون هذا جزءاً من الاستراتيجية السياسية لإدارة الرئيس لكسب ثقة الزعماء الأوروبيين.

دبلوماسية القيم

ومن الجدير بالذكر أن التوجهات الرئيسية في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه مصر تتعلق بالطاقة والاقتصاد والأمن. ويركز الاتحاد على الاستقرار الاقتصادي في دول الجوار الجنوبي وتأمين مصادر الطاقة الجديدة. وفي الفترة 2014-2020، يتم توفير التمويل أيضًا بموجب آلية الجوار الأوروبية ، حيث توجد شروط تنص على إنهاء التمويل من قبل المفوضية إذا أخل المستفيد بالالتزامات المتعلقة باحترام حقوق الإنسان أو المبادئ الديمقراطية أو سيادة القانون وكذلك في حالات الفساد الخطيرة. وربما ليس من قبيل الصدفة أن تنسحب مصر بين عامي 2018 و2020 من العديد من برامج التعاون.

على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية والأمنية، إلا أن مؤسسات الاتحاد تدين بانتظام سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان. على سبيل المثال، في عام 2019، اعتمد البرلمان الأوروبي قرارا بعد قمع الاحتجاجات في الدولة العربية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، اعتمد البرلمان الأوروبي قرارًا بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر، وهو القرار الذي رفضه مجلس النواب المصري علنًا.

الصين ومصر والاتحاد الأوروبي

وفي الآونة الأخيرة، سعت مصر إلى تنويع علاقاتها الخارجية خارج الغرب. وفي هذا الصدد فإن المنافسة الجدية للاتحاد الأوروبي هي الصين، التي لا تهتم بقضايا حقوق الإنسان وسيادة القانون. وتعطي بكين الأولوية للعلاقات الاقتصادية والأمنية على الدبلوماسية القائمة على القيمة. ولهذه الأسباب، من الممكن أن تستمر مصر، إلى جانب دول أخرى في شمال إفريقيا، في تعميق مشاركتها مع الصين ومراكز القوى الأخرى التي تبدو على سبيل المثال أكثر موثوقية حتى من الولايات المتحدة.

وصلت العلاقات الصينية المصرية إلى مستوى عالٍ، خاصة بعد توقيع مصر على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين. ومن بين المجالات ذات الأولوية الدفاع والتجارة والتكنولوجيا، فضلا عن إدراج منطقة قناة السويس في مبادرة حزام واحد وطريق واحد.

وليس من قبيل المصادفة أن تتركز معظم الاستثمارات الصينية في مصر في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث تعد الصين أكبر مستخدم للقناة والممر المائي نفسه هو أقصر طريق بين آسيا وأوروبا، وهو أكبر سوق لبكين.

ومن الجوانب المهمة الأخرى بين القاهرة وبكين توسيع العلاقات الدفاعية والأمنية. ويجري جيشا البلدين مناورات عسكرية مشتركة في البحر الأبيض المتوسط. إن دخول الصين إلى السوق المصرية، بما في ذلك قطاع الدفاع، يعني زيادة المنافسة الاقتصادية مع المصنعين والشركات الأوروبية. وهذا قد يعني ضعفًا تدريجيًا للنفوذ الأوروبي على مصر.

التحديات التي تواجه مصر

وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، تواجه مصر، مثل الجزائر وتونس والمغرب، تحديين: ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية وهو ما قد يؤدي إلى تزايد السخط على الحكومة وعدم الاستقرار الداخلي. ويعتمد الاقتصاد المصري، الذي كان ينمو قبل جائحة فيروس كورونا بفضل ديون صندوق النقد الدولي، إلى حد كبير على المحاصيل المستوردة. وسيشكل عبء ديون مصر، المدعوم بقرض آخر في مارس 2024 ضغوطًا إضافية على الاقتصاد المصري وسط مشاكل ديموغرافية (تزايد عدد السكان باستمرار) وارتفاع معدلات البطالة.

أولويات أوروبا

وفي ضوء المشاكل المحتملة والقائمة التي تواجهها مصر، فيتعين على أوروبا أن تركز على الاستدامة طويلة الأمد لاقتصاد الجمهورية العربية. وهذا يعني الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار والتعليم للمساعدة في خلق فرص العمل ومعالجة البطالة بين الشباب. ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يدعم تطلعات مصر لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، مما يساهم في تنمية البلاد وتعزيز التعاون والاستقرار الإقليميين. ويشكل الترويج الأوروبي للجهود التي تبذلها مصر لمكافحة تغير المناخ وسيلة أخرى مهمة للنفوذ. وفي هذا السياق، من الممكن الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة والنقل والمياه والأمن الغذائي. وهذا من شأنه أن يساهم في استقرار البلاد على المدى الطويل ويفيد الشركات والصناعات الأوروبية العاملة في هذه القطاعات. إلى جانب دعم السياسات المذكورة أعلاه، يجب على أوروبا ألا تهمل بشكل كامل قيمها مثل دعم حقوق الإنسان وحرية التعبير وسيادة القانون. إن تصديرمعايير وقيم الكتلة إلى مصر ومجتمعها يمكن أن يساهم على المدى الطويل في ظهور الدولة العربية كشريك أكثر استقرارًا وقابلية للتنبؤ به ومعتمدًا على الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وعلى الرغم من الاستقرار الواضح للسلطة في مصر، فإن العديد من الظروف التي أدت إلى اندلاع الانتفاضات العربية في عام 2011 لا تزال قائمة. وليس بعيدًا عن المنطق أن نتوقع أن تؤدي موجة جديدة من الاحتجاجات وعدم الاستقرار إلى أزمة هجرة ذات أبعاد هائلة. ولا شك أن هذا سوف يشكل تحدياً في ظل الوضع الجيوسياسي الحالي في ظل الحرب في أوكرانيا واستئناف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مرة أخرى.

وفي حال نجحت بروكسل، رغم المنافسة من الصين، بأدوات القوة الناعمة في دمج مصر في مجال مصالحها، فإن ذلك قد يؤدي إلى تغيير في ميزان القوى في منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا.

أصدقاء العالم العربي 2024. بقلم فلاديسلاف روبيف

تنويهجميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـأصدقاء العالم العربي، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Do not copy!