اثنان من أقوى الاقتصادات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي السنوات الأخيرة تعاونت المملكتان اللتان تشكلان جزءًا من مجلس التعاون الخليجي ، على المستوى الإقليمي. وتجد طموحاتهم السياسية تعبيرا عنها في الحرب في اليمن والحصار المفروض على قطر. وعلى الرغم من هذه المحاولات لبذل جهود مشتركة فإن التنافس بين البلدين يجد تعبيره في النزاعات الإقليمية والسياسة الخارجية على المستوى الإقليمي.
النزاعات الإقليمية عن الأراضي
تقدمت المملكة العربية السعودية بتاريخ 18 مارس 2024 بشكوى ضد دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن المرسوم رقم 4/2019 الذي قضى باعتبار المنطقة المتنازع عليها بين البلدين (الياسات) “منطقة بحرية محمية .“وفي الواقع السبب الرسمي الذي قدمته الرياض هو توغل أبو ظبي في الحدود السعودية.
جزيرة الياسات التي أُعلنت في الأصل محمية بحرية بموجب مرسوم عام 2005 تتكون من أربع جزر هي الياسات الكبرى والياسات الصغرى وعصام وكرشا. وتم بناء أول شعاب مرجانية صناعية حول الجزر.
قصة الخلفية من النزاعات الإقليمية عن الأراضي
وقد انخرطت الدولتان الخليجيتان في نزاعات إقليمية منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في عام .1971 وفي عام 1974 وقعت الدولتان اتفاقية جدة التي اعترفت بموجبها المملكة العربية السعودية بالإمارات العربية المتحدة كدولة مستقلة وتنازلت عن بعض مطالباتها في واحة البريمي الغنية بالنفط والتي تقع بين الجزء الشمالي الغربي من عمان والإمارات العربية المتحدة .وفي المقابل استحوذت المملكة العربية السعودية على جزيرة الحويسات في الخليج العربي وعائدات حقول الشيبة النفطية التي تمتد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة .ومع ذلك لم تصدق الإمارات العربية المتحدة على الاتفاقية، واعترضت عليها في عام 1975 بسبب التناقضات بين الاتفاقية الشفهية والمكتوبة وتحاول إعادة التفاوض بشأنها منذ ذلك الحين. وعلى هذا فإن النزاع الإقليمي الحالي يشكل ذروة أخرى لأزمة طويلة الأمد في العلاقات.
التنافس الإقليمي
الحرب في اليمن هي ساحة التنافس بين الرياض وأبو ظبي. وفي البداية خفضت الإمارات وجودها العسكري في التحالف ضد الحوثيين بقيادة المملكة العربية السعودية ثم انسحبت منه وتمركزت بشكل دائم في الجزء الجنوبي من البلاد. وفي الوقت نفسه بادرت الرياض أثناء حربها في اليمن إلى رفع الحصار عن قطر.
وتظهر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أيضًا كمنافسين في السودان، حيث تدعمان فصائل مختلفة. وتوجد نقطة أخرى مهمة في التنافس الإقليمي بين المملكتين ألا وهي سياسة التقارب بين الإمارات ومصر حيث استثمرت أبو ظبي مبالغ ضخمة. ويختلف البلدان أيضاً في نهجهما تجاه إيران. وعلى الرغم من أن السعودية أبرمت اتفاقا في عام 2023 مع إيران بوساطة الصين إلا أن العلاقات بين أبوظبي وطهران كانت تقليديا على مستوى أعلى.
اليمن
وفي اليمن ركزت المملكة العربية السعودية جهودها على الجزء الشمالي من البلاد حيث ترى تهديدًا مباشرًا لقواعدها الجوية ومطاراتها والبنية التحتية النفطية. وحاولت أبو ظبي من جانبها إعادة الدكتاتور اليمني السابق علي عبد الله صالح إلى السلطة عبر ابن أخيه طارق صالح لكن المحاولة لم تكن ناجحة تماما .ولذلك اتخذت الإمارات استراتيجية مختلفة في اليمن. وكما ذكرنا سابقا ركزت الإمارات جهودها في جنوب البلاد، حيث دعمت المجلس الانتقالي الجنوبي الذي استولى مرتزقته على مدينة عدن الساحلية ومحافظة شبوة الغنية بالنفط وضمتها لاحقا سقطرى وميناء المخاء.
مصالح الإمارات في اليمن
وتريد دولة الإمارات من خلال سقطرى والمخاء (المقر الرئيسي والقاعدة الخلفية الرئيسية لطارق صالح) تحقيق أحد طموحات سياستها الخارجية وهو السيطرة على مرافق الموانئ الرئيسية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، والتي ويعد الدافع الأساسي لمشاركة الإمارات في التحالف العربي ضد الحوثيين .وبهذه الطريقة تسعى أبو ظبي إلى التأثير على سلاسل التوريد اللوجستية البحرية للنفط للهند والتي أصبحت شريكًا رئيسيًا لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في ضوء النمو المتوقع في استهلاك المنتجات البترولية خلال السنوات الخمس إلى الستة المقبلة.
إن جزء من الجهود المتزايدة لأبو ظبي لتعزيز سيطرتها على مرافق الموانئ الرئيسية في البحر الأحمر وهي منطقة تقليدية لنفوذ الرياض هو افتتاح (04/05/2024) مطار المخاء الذي تقع بجوار الميناء البحري وتمتد لمسافة 6 كيلومترات إلى الشمال. ونظرًا لموقعه الاستراتيجي، فإن المطار جاهز لخدمة عدد كبير من اليمنيين من محافظات تعز (“البوابة بين الشمال والجنوب“) والحديدة ولحج والمحويت وذمار. كما أن تشغيل المطار سيعطي زخما لتطوير ميناء المخاء (عن بعد 75 كم من مضيق باب المندب وعن بعد 170كم من ميناء الحديدة) وهو الأقدم في شبه الجزيرة العربية.
وتربط دولة الإمارات وجودها في المنطقة بتطوير البنية التحتية الاجتماعية من خلال الاستثمار بكثافة. ويمكن الإشارة إلى أن أبو ظبي استفادت إلى حد ما من التجربة الإيجابية للبرامج الاجتماعية لحزب الله اللبناني. ويأتي افتتاح مطار المخاء في إطار تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في وقت سابق بين أبو ظبي والرياض بشأن فصل مناطق النفوذ في اليمن. وتحاول الإمارات بشكل عام ترسيخ نفسها قدر الإمكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها والتي تقع بشكل رئيسي على الساحل (عدن والمخاء) وأرخبيل سقطرى.
الخاتمة
وسوف تستمر المنافسة الإقليمية بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية للحصول على مناطق النفوذ. إن نزاعاتهما الإقليمية للأراضي عرضية وفي هذه المرحلة لا تهدد تعاونهم في مجالات رئيسية مثل الأمن. وستظل اليمن (أي البحر الأحمر) وطرق التجارة المؤدية إلى المحيط الهندي وشرق أفريقيا بمثابة ساحات للتنافس والهدف الرئيسي منها هو تجميع المكاسب الاقتصادية لخزائن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
أصدقاء العالم العربي 2024. بقلم فلاديسلاف روبيف
تنويه: جميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـ“أصدقاء العالم العربي“، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي
اترك تعليقاً