وأجريت انتخابات نيابية مبكرة في الكويت في 4 أبريل2024. بلغت نسبة إقبال الناخبين المسجلين 62% وحافظت المعارضة السياسية على أغلبيتها الدستورية، حيث حصلت على 29 مقعدًا من أصل 50. وكانت هذه أول انتخابات لأمير الدولة مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذي تولى منصبه في ديسمبر 2023. ومن الأولويات الرئيسية على المستوى الوطني إصلاح القطاع المالي والاقتصادي في البلاد. وبالنظر إلى خصوصيات البلد فإن تحقيق مثل هذه المبادرة سيكون مصحوبا حتما بصعوبات.
الإصلاحات في ظل رؤية 2035
إن أولويات رئيس الوزراء أحمد عبد الله الصباح المعين من قبل الأمير مشعل الصباح متعلقة بالإصلاح الهيكلي للاقتصاد الكويتي وتنويعه. وقد لا تكون هذه المهمة سهلة، إذ أن الأغلبية البرلمانية تتألف من المعارضة المحافظة. وصرحت حكومة الكويت بأنها ستتبع مسار تنفيذ البرنامج الوطني طويل المدى رؤية2035 .
وعلى الصعيد الداخلي تتمثل أولويات البرنامج في تنمية القطاع الخاص والخصخصة على نطاق واسع وإنشاء بنية تحتية حديثة وتحسين النظام الصحي الوطني وحماية البيئة ودعم الإمكانات البشرية والمواهب المحلية. وعلى الصعيد الخارجي من المقرر أن تستمر دولة الكويت في متابعة سياستها الخارجية التي تهدف إلى الحفاظ على وحدة مواقف الممالك العربية في الخليج العربي، والحفاظ على علاقات وثيقة تقليدية مع الحلفاء الغربيين والإقليميين وخاصة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية فضلا عن تطوير اتجاه جديد للتعاون في البنية التحتية والاقتصادية متبادل المنفعة مع الصين.
ويتضمن برنامج التنمية الوطنية 2035 تأمين الريادة الإقليمية للكويت من خلال ظهورها كمركز مالي وتجاري. والهدف أيضًا تحسين التشريعات لخلق مناخ استثماري ملائم وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتحديث البنية التحتية وضمان التنمية المستدامة.
تحقيق الأهداف
تمثل إيرادات النفط والغاز 90% من إجمالي إيرادات الموازنة هو المصدر الرئيسي لضمان إنجاز المهام في الاقتصاد الوطني. وفي حال عدم انخفاض ل أسعار الطاقة في الأسواق العالمية بشكل حاد بل ترتفع فإن تحقيق الحكومة الكويتية للأهداف أمر واقعي. وفي الوقت نفسه من المرجح أن يواصل الأمير والحكومة الجديدة التي شكلها سياسة تنويع عائدات التصدير وتقليل الاعتماد على عائدات النفط والغاز. ولتحقيق ذلك من المهم زيادة الإنتاجية المحلية لتحسين القدرة التنافسية بين القطاعات غير النفطية في الاقتصاد.
ولتحقيق تقدم سريع نحو تنويع النظام الاقتصادي من المهم أن تقوم الحكومة بتأمين مصادر تمويل مستدامة لمشاريع التنمية طويلة الأجل وخاصة من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر. وبحسب التقديرات الحكومية وبحلول عام 2035 ستكون هناك حاجة إلى ما يصل إلى 200 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي.
المشاريع المستقبلية
مشاريع البنية التحتية هي جوهر تحريك وإصلاح الاقتصاد الكويتي. وعلى سبيل المثال يشمل المخطط لإنشاء “المنطقة الاقتصادية الحرة الشمالية” مشروع مدينة الحرير وإنشاء ميناء مبارك الكبير البحري والذي سيتم استثماره بإجمالي 6.5 مليار دولار. وهو جزء من خطة إقليمية أكثر طموحًا لربط شبكة السكك الحديدية لست ممالك عربية (الميزانية الإجمالية تبلغ 250 مليار دولار). ومن المفترض أن يصبح جزءًا من مشروع الصين العالمي مبادرة الحزام والطريق/طريق الحرير الجديد وفي حال نجاحها، فإن مشاريع البنية التحتية هذه ستخلق فرص عمل جديدة خاصة للشباب المحليين فضلا عن تحفيز النمو في التجارة والتكنولوجيا والتمويل والاستثمار مما سيزيد الإنتاجية بشكل كبير ويزيد من حصة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي للكويت.
الاستثمارات الأجنبية المباشرة
التقدم الذي أحرزته الكويت في جذب الاستثمار الأجنبي يضمن تنمية القطاع غير النفطي في البلاد. وعلى سبيل المثال 4% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 يعود إلى تنويع الاقتصاد. وبلغت الاستثمارات الأجنبية في نهاية عام 2022 760 مليون دولار بزيادة 34% مقارنة بعام 2021، وفي بداية عام 2023 بلغت أكثر من 15 مليار دولار (نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي). والولايات المتحدة والصين هما أكبر المستثمرين في الكويت.
إن تنويع النموذج الاقتصادي للدولة النفطية محدود بسبب حقيقة أن الاستثمار الأجنبي المباشر يركز على قطاع النفط والغاز. وتتركز النسبة الأكبر من الاستثمار في تطوير البنية التحتية للطاقةحيث يليها قطاع البناء والعقارات والقطاع المصرفي والمالي. وفي الوقت نفسه تعطي رؤية 2035 الأولوية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة وأنظمة الكهرباء والمياه وكذلك السياحة والصحة والتعليم. ولذلك تقع على عاتق أمير الكويت والحكومة مهمة إقناع شركائهم التجاريين بإعادة توزيع بعض التدفقات الاستثمارية في المجالات المذكورة.
صعوبات في طريق التنويع
إن تنويع الاقتصاد الكويتي قد يواجه صعوبات في تحقيق الأهداف المحددة في استراتيجيته الوطنية.
ومن الناحية العملية، فإن أولويات المستثمرين الأمريكيين والصينيين تعتمد حصريًا على استخدام الكويت كقاعدة موارد مهمة لإمدادات مستدامة من الهيدروكربونات. ويرجع ذلك إلى الانفتاح والواقعية والمرونة التي تتسم بها السياسة الاقتصادية الخارجية للكويت.
أما العامل الثاني فيتعلق بضرورة تحسين مناخ الاستثمار وتشريعاته. وبتعبير أدق فإن حقوق المستثمرين الأجانب وإمكانية مشاركتهم الكاملة في القطاعات “الحساسة” (إنتاج النفط الخام والأسمدة والغاز والملكية العقارية وصناعة الدفاع والضمان الاجتماعي وهجرة العمالة) محدودة للغاية.
ووفقا لمعايير الشرق الأوسط، تتمتع الكويت بشكل عام بسجل مقبول في مجال حماية المستثمرين الأجانب. ومع ذلك، فإن البيانات المتعلقة بمؤشر الحرية الاقتصادية مثيرة للقلق (المرتبة 90 من بين 184 دولة) وتنمية الابتكار (المرتبة 64 من بين 132 دولة) وحماية حقوق الملكية الفكرية.
عوامل المنع
إن الإفراط في الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر كأساس للتنويع الاقتصادي في الكويت قد لا يؤدي إلى النتائج المتوقعة على المدى الطويل.
أحد العوامل التي تعيق ذلك هو الحاجة إلى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية من قبل النخبة الحاكمة. وإذا تابعنا العملية في السنوات الأخيرة، فيمكننا أن نتوقع أنه حتى الأغلبية ذات التوجه المعارض في البرلمان الجديد لن تتخذ خطوات لحل هذه القضية.
وبالإضافة إلى ذلك يمكننا أن نلاحظ أن اعتماد الكويت الكبير على عائدات النفط والغاز يشكل عاملاً يزعزع الاستقرار. إن إمكانية تحقيق المزيد من النمو الاقتصادي المستدام تعتمد فقط على سوق أسعار النفط وهو أمر غير مستدام ويمكن أن يؤدي إلى خسائر مالية. وفي الوقت نفسه فإن أولويات المستثمرين الأجانب الرئيسيين (الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وبريطانيا) لا تركز على الطاقة المتجددة.
ومن أجل تحقيق تنمية اقتصادية من الضروري أن يكون هناك اقتصاد سوق حقيقي كامل في الكويت (90% من الوظائف توفرها الدولة وينفق عليها 60% من الميزانية) وبهذه الطريقة يمكن دعم نمو المنافسة الداخلية وبالتالي إنتاجية العمل. وفي الوقت نفسه، هناك حاجة إلى الاستثمار الأجنبي لضمان النمو المستدام والتطوير التكنولوجي والبحث والتطوير. ولهذه الأغراض لا تملك البلاد موارد داخلية كافية.
إن المخاطر المتزايدة لنشوب صراع إقليمي واسع النطاق في الشرق الأوسط، وخاصة وسط التصعيد الحاد بين إيران وإسرائيل تشكل أيضًا عائقًا أمام الاستثمار الأجنبي. وفي حالة زعزعة الاستقرار الإقليمي، ستحاول الكويت الحفاظ على بعض التوازن بين مسارها المؤيد للغرب والاتجاه الإقليمي الرئيسي وهو تعميق العلاقات مع الممالك العربية في الخليج العربي والحفاظ على هوية ثقافية وسياسية معينة معهم. بالإضافة إلى ذلك من الممكن أن تواصل المملكة النفطية جهودها لإقامة اتصالات مع القادة الشيعة في المنطقة ألا وهما إيران والعراق.
الخاتمة
ومن أجل تحقيق استراتيجية الكويت الاقتصادية المنصوص عليها في رؤية 2035 إلى حد ما يجب على البلاد إجراء إصلاحات تعتمد على إرادة النخبة الحاكمة وعلى العوامل السياسية الأجنبية، التي تتوافق في أغلب الأحيان مع أولوياتها الخاصة. وتشكل أسواق الطاقة أيضاً عنصراً رئيسياً تعتمد عليه التنمية المستدامة في البلاد. إن ديناميكية منطقة الشرق الأوسط وعدم القدرة على التنبؤ بها تتطلب من حكام الكويت أن يكونوا مرنين من أجل تحقيق أهدافهم. وستكون السنوات العشر المقبلة حاسمة فيما يتعلق بمحاولات إصلاح القطاع المالي والاقتصادي في النظام الملكي.
أصدقاء العالم العربي 2024. بقلم فلاديسلاف روبيف
تنويه: جميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـ“أصدقاء العالم العربي“، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي
اترك تعليقاً