كانت دائما السلطنة عُمان في تأريخها تسعى إلى إشراك مجموعة واسعة من القادة والفصائل من حولها للمساعدة في حل النزاعات. وكانت سياسة الوساطة في البلاد مميزة في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد آل سعيد ومنذ عام 2020 في عهد السلطان الحالي هيثم بن طارق آل سعيد. تتعلق أعظم إنجازات عمان في الدبلوماسية بإشراك إيران في المفاوضات والتسويات. وساعدت العلاقات التاريخية والدينية بين مسقط وطهران في حل بعض الخلافات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية. تسعى السلطنة داخل دول مجلس التعاون الخليجي إلى تقليل التوترات عند وجودها. وعلى سبيل المثال حاولت الدولة إنهاء الحصار المفروض على قطر من قبل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين خلال الفترة2017-2021. وفي خطة إقليمية أوسع تعاونت عُمان مع إسرائيل لأكثر من عشرين عامًا وفي 23/02/2023 فتحت مجالها الجوي لطائرات الركاب القادمة من تل أبيب. إلا أن مسقط لم تحذو حذو الإمارات والبحرين بعدم توقيعها على ما يسمى اتفاقيات إبراهيم.
السلطنة وسيط رئيسي في العلاقات المتوترة بين واشنطن وطهران. تثق الولايات المتحدة بالدبلوماسية العمانية في عدد من القضايا المهمة مثل إطلاق سراح أشخاص أمريكيين على الأراضي الإيرانية والمفاوضات مع إيران بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة. من جانبهم يضع القادة الإيرانيون ثقة كبيرة في مسقط. وبهذه الطريقة ترتكز السلطنة في قلب الجهود المبذولة لحل النزاعات الإقليمية المستمرة.
حافظ العمانيون خلال الصراع في اليمن على علاقات مع حركة الحوثيين بما في ذلك كما سمح بفتح مكتب الحركة في مسقط. تعمل عُمان حاليًا على تسهيل المحادثات المباشرة بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية لاستعادة وقف إطلاق النار رسميًا لعام 2022 وتحقيق حل سياسي للصراع بشكل فعال.وتقدم الأخير بفضل جهد أكبر لمدة عامين من قبل عمان إلى جانب بغداد لتحقيق المصالحة بين الرياض وطهران. انتهت عدة جولات من المحادثات السعودية الإيرانية في بغداد ومسقط في 2021-2022 في 10 مارس 2023 باتفاق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل بوساطة بكين.
كما لجأ بشار الأسد الحليف الرئيسي لإيران إلى عمان للمساعدة في كسر العزلة الإقليمية. كانت السلطنة الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تغلق سفارتها في دمشق عام 2011. في أواخر فبراير 2023 بعد أسبوعين من الزلزال المدمر في شمال سوريا استضاف السلطان هيثم الرئيس السوري لإجراء محادثات. على الرغم من جهود مسقط ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى فإن واشنطن لا تروج حاليًا لـ “تطبيع” العلاقات مع النظام السوري.
في المستقبل يمكن توقع أن تحافظ عُمان على دورها كوسيط إقليمي رئيسي قادر على العمل مع مختلف الفصائل والقادة المتنازعين. كان التفاعل بين حركة الحوثيين ومسقط عاملاً رئيسيًا في التحرك نحو حل تدريجي للصراع في اليمن.. وليس من قبيل المصادفة أن الولايات المتحدة تنظر إلى البلاد على أنها عنصر مهم في احتواء العدوان الإيراني وضمان الأمن في الخليج العربي.
أصدقاء العالم العربي 2023. بقلم فلاديسلاف روبيف
تنويه: جميع حقوق نشر هذه المقالة محفوظة لـ“أصدقاء العالم العربي“، ويُمنَع إعادة نشرها أو الاقتباس منها، جزئياً أو كلياً، دون أخذ إذن مُباشِر ومُسبَق من الجمعية، ويستثنى من ذلك الاقتباسات المحدودة المراعية لأصول البحث العلمي، لهدف تعليمي أو بحثي مُحدَّد، مع ضرورة الإشارة إلى الجمعية بوصفه الناشر الأصلي
اترك تعليقاً